جماعتان أم جماعة بقناعين؟.. ما يمكن أن نفهمه من بيانات "الإخوان" الأخيرة

الإخوان المسلمون

جماعتان أم جماعة بقناعين؟.. ما يمكن أن نفهمه من بيانات "الإخوان" الأخيرة


03/03/2019

بعد إعدام 9 من عناصرها، على خلفية اتهامهم باغتيال النائب العام المصري الراحل، هشام بركات، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانين موقَّعين باسمها، أحدهما صادر عن جبهة محمد كمال، والمتحدث باسمها هو عباس قباري، والثاني صادر عن جبهة محمود عزت، والمتحدث باسمها طلعت فهمي.

يحمل كلّ بيان خطاباً مختلفاً إلا أنّ المقارنة بينهما تكشف مدى اختلاف أساليب المواجهة بين الجناحين الأكبرين بالجماعة

يحمل كلّ بيان خطاباً مختلفاً، إلا أنّ المقارنة بينهما تكشف مدى اختلاف أساليب المواجهة بين الجناحين الأكبرين في الجماعة، كما يضع جبهة "عزت" في موقف حرج، ربما لأنّه لم يستخدم الموازانات التي تجيدها هذه الجبهة، فكان أكثر وضوحاً منها.

لا ينفي بيان جبهة "كمال" قيام عناصر الجماعة من المحكومين في قضية النائب العام باغتياله، فمن عنوانه الدال على "الثأرية وتأجيل العزاء واستحقاق القصاص"، يؤكد عزم هذه الجبهة على القيام بعمل دموي، كردّ فعل على إعدام شبابهم المحكومين، بما يعني أنّ هذه الجبهة تكشف بوضوح عن تبنّيها للعمل المسلح.

مفردات داعشية

يبدأ البيان بآية {وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ}؛ فتعتقد الجماعة هنا أنّهم قتلوا في سبيل الله، وأنّهم قدموا شبابهم "مهراً لإعتاقها من نَير المجرمين، مقبلين غير مدبرين، ولا جزعين، ترجون ما عند الله، وما عند الله خيرٌ وأبقى".

يستخدم البيان أدبيّة من أدبيات تنظيم الجهاد وهي"المفاصلة"؛ وتعني القتال الأخير المسلح بين طائفتي "المؤمنين" و"الكافرين"

يحمل البيان تحريضاً واضحاً على القتال: "أيها الإخوان، قد كان هتافكم الدائم: الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، ودعاؤكم كلّ ليلة: وأمتنا على الشهادة في سبيلك، فها قد وُضعت هتافاتكم موضع الاختبار، فنشهدُ اللهَ أنَّا قد رأيناها ثباتاً، وبطولة، وفداء".

يستخدم هذا البيان مفردة وأدبية من أدبيات تنظيم الجهاد وهي "المفاصلة"؛ وتعني القتال الأخير المسلح بين طائفتين، إحداهما على الحقّ، وهم "المؤمنون"، وطائفة على باطل، وهم "الكافرون"، فينادي البيان: "أيها الأبطال؛ إنَّا والنظام في مفاصلة، وقد وصلنا وإياه إلى منتصف الطريق، واعلموا أنَّه إذا تراجعتم لن تحيوا ما مضى، ولن تنقذوا ما تبقى".

اقرأ أيضاً: كيف يتحرك العمل الإخواني المسلح في مصر؟

يدعو البيان إلى ثورة تهدم البيوت وتأخذ القصاص: "فاجمعوا أمركم على ثورةٍ لا تبقي من الظالمين دياراً، فتقتصوا لشهداءٍ مضوا على الدرب، وتنقذوا بها أهليكم، ووطنكم".

وفي البيان الثاني؛ توجه الجماعة نداءً لعناصرها الكامنة وخلاياها النائمة والنشطة، ثم تسميهم تسمية جهادية أخرى؛ هي "المرابطون": "أيها الثائرون المرابطون على ثرى الوطن، وفي كل أماكن التواجد؛ إنَّ إعداداً ليوم غضب تنفض فيه مصر عنها ثوب المذلة هو واجب الوقت، فشمروا سواعدكم، وأروا الله من أنفسكم خيراً".

استحضار قطب

كما يذهب البيان لفتح باب التجنيد مشرعاً: "إنَّ المكتبَ العام لجماعةِ الإخوان المسلمين يمدّ يديه، ويفتح أبواب مؤسساته مشرعة أمام كلّ غيورٍ ضمن إعداد لم ولن يتوقف إلا بنصرٍ تقرّ به أرواح الشهداء، ويُذهِب به الله غيظ قلوب المؤمنين".

لا تستحضر الجماعة مقولات مؤسسها حسن البنا، كما هي العادة، بل ذهبت لاستحضار مقولات سيد قطب وأشعاره

لا تستحضر الجماعة مقولات مؤسسها حسن البنا، كما هي العادة، بل ذهبت لاستحضار مقولات سيد قطب وأشعاره: "إنَّ وصايا الشهداء، ورسائل الثبات، والتحدي من الأحرار خلف القضبان في كل السجون تستصرخكم ألّا تحيدوا، وإنْ عظم الثمن، واجعلوا لسان حالكم كلمات الشهيد القائد سيد قطب: أخي إنَّني اليوم صلب المراس... أدكّ صخور الجبال الرواس... غداً سأشيح بفأس الخلاص... رؤوس الأفاعي إلى أنْ تبيدَ".

اقرأ أيضاً: رسمياً.. بدء سريان حظر "رموز الإخوان" في النمسا

تعلو في هذا البيان النبرة الجهادوية القاعدية والداعشية، كأنّ الذي صاغه أيمن الظواهري، لا عباس قباري وجبهته: "أمَّا المجرمون من أجهزة الدولة الإرهابية، نقول: إنْ سكرتم اليوم من دمائنا، فغداً تستأصل شأفتكم ثورة منتصرةٌ بعونِ الله، فارتقبوا إنَّا مرتقبون: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا}".

التبرئة

ما لبثت جبهة محمود عزت أن سارعت بنفي هذا البيان، في اليوم نفسه، وهي التي تقود سياسة مختلفة في مواجهة الدولة المصرية، تعتمد على نفي ارتكاب عناصر الجماعة أعمالاً إرهابية، ومحاولة إلصاق تهمة التلفيق بالنظام، وهو الأمر الذي أفسده بيان جبهة "كمال" بعد نفيه تورط عناصر الجماعة في اغيتال بركات، فضلاً عن توعد الجبهة باستمرار القتال، والأخذ بالثأر.

يعبّر البيانان عن انشطار الجماعة إلى نصفين؛ الأول يستخدم العنف المادي والمعنوي بوضوح، أما الآخر فيغطي على تلك الأفعال

إلا أنّ بيان النفي هذا اعتمد على التضليل المتعمد؛ إذ إنّه رأى أنّ البيان الأول ملفق ومكذوب، وغير صادر من الجماعة "تؤكد جماعة الإخوان للكافة أنّ هذا البيان مكذوب، جملة وتفصيلاً، ولا يمت إليها بصلة".

مع أنّ البيان الأول نشره موقع جماعة الإخوان المسلمين، ومن خلال متحدث رسمي عن المكتب العام لجماعة الإخوان، وهو عباس قباري، الذي خلف محمد منتصر، والذي تشكل بعد وقوع خلافات طاحنة في صفوف الجماعة، انشطرت فيها الجماعة إلى شطرين، أحدهما ذهب لتشكيل ما يسمي "المكتب العام لجماعة الإخوان"، والثاني ذهب لاسترجاع ما تبقى من مكتب الإرشاد القديم، وعلى رأسهم: محمود عزت، ومحمود حسين، وإبراهيم منير، وهو ما عدّته الجبهة الأولى انقلاباً على الشرعية داخل الجماعة، بعد أن تم حلّ مكتب الإرشاد القديم، ومن ثم فإن لم يكن يجوز لهؤلاء إعادته مرة أخرى دون انتخاب.

الوجه الآخر

بعد بيان النفي هذا بيومين؛ اضطرت جبهة "عزت" إلى إصدار بيان يوضح موقفها من عملية الإعدام، فجاء نافياً ارتكاب الجماعة واقعة اغتيال هشام بركات.

كلا الجناحين يوظف الآخر، فهناك جبهة تقوم بعمليات العنف، والأخرى تتبرأ من ذلك حتى تتحين الفرصة لحصد الثمار

ذهب هذا البيان للتأكيد على أنّ الذين أعدموا هم من "الأبرياء الذين لم يرتكبوا ذنباً أو جريرة"، وهو ما يذكره البيان الأول، وأنّ النظام المصري "يرتكب جرائم ضدّ الإنسانية"، وفق قولهم، ثم يعرج البيان على استدعاء الأطراف الدولية والحقوقية فيقول: "فرغم المطالبات الحقوقية والمناشدات الإنسانية والاستغاثات العاجلة، أقدم العسكر على إعدام 9 أبرياء، بشهادة منظمة العفو الدولية، من شباب مصر الطاهر".

يستخدم هذا البيان الدعوة إلى القصاص إلا أنّه يتحوط فيربط هذا القصاص بـ "محاكمات عادلة" حتى يتمّ محو أثر البيان الأول، الذي أكّد عزمه على أخذ الثأر والقصاص دون تقييد ذلك بمحاكمات.

ومن أجل عدم خسارة جبهة "عزت" مزيداً من الأتباع المشحونين؛ فإنّه عدّ العناصر التي نفذت فيهم أحكام الإعدام من الشهداء الذين يستحقون الصلاة عليهم صلاة غائب.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون ومغامرة العقل المستقيل

ويذهب كتبة البيان إلى الدعوة أيضاً إلى "انتفاضة ضدّ النظام المصري"، إلا أنّهم في سبيل ذلك يدعون الجميع للقيام بها، لا الإسلاميين وحدهم، كما فعل بيان الجبهة الأخرى.

كما يستدعي هذا الجناح أطرافاً دولية لمساعدتهم في هذه الانتفاضة بقوله:" نهيب بكل الأحرار والشرفاء، في المنطقة والعالم الحر، أفراداً ومؤسسات قانونية وحقوقية، دولية وإقليمية، بالقيام بدورهم لنجدة هذا الشعب، وإعادة مصر لأحضان أبنائها، حرة عزيزة أبية إن شاء الله".

في النهاية؛ يعبّر البيانان عن انشطار الجماعة إلى نصفين؛ الأول يقوم باستخدام العنف المادي والمعنوي بوضوح، أما الآخر فيقوم بالتغطية على تلك الأفعال ومحاولة إلقائها في حجر الدولة المصرية، واضعاً عينيه على القوى الدولية.

هذا لا يعني أنّ كلّاً من الجناحين لا يقوم بتوظيف الآخر، فهناك جبهة تقوم بعمليات العنف، والأخرى تتبرأ من ذلك حتى تتحين الفرصة لحصد الثمار.

الصفحة الرئيسية