هل تعود جماعة الإخوان من جديد للمشهد العام؟

الإخوان المسلمون

هل تعود جماعة الإخوان من جديد للمشهد العام؟


16/05/2019

السؤال الذي يراود المتابعين لتاريخ جماعة الإخوان عموماً، ولتاريخ جماعات الإسلام السياسي على وجه الخصوص؛ هل تعود جماعة الإخوان لساحة المشهد السياسي بشكل شرعي مرة أخرى؟!

اقرأ أيضاً: بشهادة "القاعدة".. العنف خرج من رحم "الإخوان"
السؤال عائد إلى أنّ جماعة الإخوان، على مدار تاريخها، تعرضت للعديد من المحن والمواجهات، التي أدّت إلى حلّ التنظيم ومصادرة أموال الجماعة، وتعقّب المنتمين إليها، والزجّ بهم في السجون لأعوام طوال، لكن رغم ذلك، كانت جماعة الإخوان تعود في كلّ مرة أقوى مما سبق، مخترقة المشهد العام ومتوغّلة في جنبات المجتمع بشكل كبير وغير مفهوم.
حسن البنا

اغتيال حسن البنا
كانت البداية مع صدام الجماعة بالدولة المصرية، في النصف الأول من القرن العشرين، المسألة التي استدعت حلّ الجماعة ومصادرة أموالها في حكومة محمود فهمي النقراشي، رئيس وزراء مصر في تلك الفترة، كان المتخيل حينها أنّ الجماعة انتهت، وتأكّد زوال دولة الجماعة بعد اغتيال مرشدها الأول، حسن البنا، عام 1949، أمام جمعية الشبان المسلمين، ودخلت الجماعة في دوامة لأعوام، حتى قيام ثورة يوليو، التي أعطت قبلة الحياة للجماعة مرة أخرى، بعد أن ساعدها الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، في العودة للمشهد السياسي مرة أخرى، غير أنّ تلك العودة لم تستمر طويلاً؛ بسبب طمع الجماعة في كرسي الحكم، وليس مجرد الحصول على بعض الحقائب الوزارية، ونتيجة لذلك؛ حاولت الجماعة اغتيال الزعيم جمال عبد الناصر، في حادث المنشية المشهور، وكانت تلك المحاولة سبباً كافياً لحلّ الجماعة مرة أخرى، ومصادرة أموالها، وتعقّب أتباعها، والزجّ بهم في المعتقلات لأكثر من عشرة أعوام.

 

تنظيم 1965
ورغم الضربات المتلاحقة التي تلقتها الجماعة، إلا أنها استطاعت استقطاب أجيال جديدة من الشباب، حاولوا إحياء التنظيم مرة أخرى، في القضية المعروفة بــ "تنظيم 1965"، لكنّ الحكومة انتبهت سريعاً لتلك المحاولة، وتمّ القبض على أطراف المحاولة كافة، وحكم بالإعدام في تلك المحاولة على سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل، وسجن البقية.

هل يصبح الإخوان قادرين على معالجة المشكلات الفكرية والمفاهيمية التي أدت إلى انفضاض جزئي من المتعاطفين معهم؟

عادت الجماعة مرة ثالثة في بدايات حكم الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، على اعتبار أنّ المنظومة العالمية في تلك المرحلة كانت تدعم التيارات الدينية في مواجهة التيارات القومية والاشتراكية، المدعومة من الاتحاد السوفيتي سابقاً؛ على اعتبار أنّ التيار الديني هو الوحيد الذي يملك القدرة على مواجهة الأفكار القومية، التي سببت مخاوف للأنظمة الملكية في المنطقة العربية، مما ساهم في تقديم الأنظمة الملكية كلّ الدعم، المادي والمعنوي، للفارّين من ملاحقات الأنظمة العربية القومية، بالأخص من مصر وسوريا.
ساهم دعم السادات للتيار الديني في الانتشار السريع لتلك الجماعات بين صفوف الطلاب في الجامعات المصرية، وظهرت على سطح المشهد السياسي الجماعة الإسلامية، وقيادتها الشبابية في الصعيد، وظهرت مرة أخرى جماعة الإخوان في القاهرة، وظهرت الدعوة السلفية في الإسكندرية، وبدأت عملية استقطاب عنيفة للشباب والمراهقين للانضمام لتلك الجماعات.

اقرأ أيضاً: ليبيا تصنّف تنظيم الإخوان المسلمين
غير أنّ الجماعات الدينية، التي كان السادات سبباً رئيساً في عودتها، ما لبثت أن انقلبت عليه، واغتالته في حادث المنصّة الشهير، لتقضي الجماعات الدينية بعض الأعوام في السجون، قبل أن تعود مرة أخرى للمشهد العام، نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت العودة الأقوى لجماعة الإخوان، التي استخدمها النظام أيضاً في مواجهة الجماعة الإسلامية، التي انتشرت أفكارها سريعاً في أوساط الشباب وحققت قوة كبيرة في الشارع المصري.

 

انتخابات مجلس الشعب 2005
كانت العودة الأكبر للجماعة في انتخابات مجلس الشعب، عام 2005، باتفاق مع الأجهزة الأمنية المصرية بضغط من النظام الأمريكي الساعي لاستحداث نظام شرقي أوسطي جديد، على خلفية حادث تفجير برج التجارة العالمي، في سبتمبر 2001.
ساهمت تلك العودة في انتشار جماعة الإخوان من جديد، واندماجها في العمل النقابي والحزبي، حتى قيام أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، التي جاءت بالإخوان إلى كرسي الحكم في مصر، غير أن وصولها للحكم لم يستمر سريعاً، بالأخص عندما اكتشفت الجماهير حقيقة الجماعة التي توصف بـ"الإرهابية"، وخرجت ثائرة عليه في ثورة يونيو 2013، الثورة التي أنهت وجود الجماعة في المنطقة.

اقرأ أيضاً: "الإخوان" والتقية السياسية
لكن، هل تعود الجماعة من جديد، خصوصاً أنّها ليست المرة الأولى التي يتم فيها حلّ الجماعة على مدار تاريخها، وأنها أيضاً ليست المرة الأولى التي تلتف فيها الجماعة حول أنظمة الحكم للعودة مرة أخرى للمشهد السياسي؟
إمكانية عودة الإخوان
القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، والباحث فى شؤون جماعات الإسلام السياسي، سامح عيد، قال في تصريح لــ "حـفريات": "يجب أن نفرق بين حالتين؛ الأولى خاصة بحالة التنظيم الدولي للجماعة، والتي استبعد عيد أن تعود للعمل مرة أخرى، بعد الضربات المتلاحقة التي تلقتها الجماعة، أما الحالة الثانية؛ فهي الخاصة بالتنظيم في مصر، ويرى عيد أنّه من الممكن عودة الجماعة في ظروف سياسية مختلفة وزمن مقبل، بتفاهمات سياسية".

اقرأ أيضاً: أوامر جديدة لأردوغان بشأن جماعة الإخوان في ليبيا
يشير عيد إلى أنّ الجماعة بالفعل ما تزال موجودة، وإن لم تكن فاعلة في المشهد العام، وحتى مع وجود البعض منهم في السجون، لافتاً إلى أنّ هناك أكثر من 300 ألف إخواني خارج السجون، طبقاً لإحصاءات أمنية، وأنّ هذه الأرقام تنتظر أن تصطف في عمل تنظيمي من جديد.
عودة الإخوان للمشهد السياسي مستبعدة
من جانبه، يستبعد الباحث والمتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي، أحمد بان عودة الإخوان للمشهد العام في المدى المنظور؛ لأنّ عودتهم بعد حالة الإفلاس الأخلاقي والسياسي، كما أبلغ "حفريات" مرتبطة بشرطين لازمين، "الأول انخراطهم في حالة مراجعة عميقة للأفكار والأدبيات والسلوك السياسي والأخلاقي، وهذا مستبعد جينياً، والثاني: حالة انفتاح سياسي لا يبدو النظام راغباً أو قادراً عليها، وبالتالي؛ أستبعد عودة قريبة للمشهد إلا في أجواء فوضى أمنية وسياسية تحملها مطالب اجتماعية أو ثورية".

 

الإخوان لا يملكون قرار عودتهم
الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي، طارق أبو السعد، قال لــ "حفريات" إنّ "مصير جماعة الإخوان لا يتوقف على قرار من داخل الجماعة"، لافتاً إلى أنّ "العودة دائماً ما ترتبط بالسياسات الخارجية للولايات المتحدة وبريطانيا، بحسب سياساتها في المنطقة"، موضحاً أنّ "العودة ليست قوة من الإخوان أو ضعف من الحكومة، وأن هناك من يساعدهم في الخارج لتأدية الجماعة دور وظيفي".

خبراء يتوقعون تزايد ظهور تيار آخر مختلف من داخل الإخوان قد يكون في الأجيال الوسيطة والشابة أكثر

ويرى أبو السعد؛ أنّ عودة الإخوان، سواء أيام السادات أو مبارك، كان الهدف منها إضعاف الحياة السياسية داخل مصر، وضخّ خطاب دعائي لصالح الجهاد المسلح، لصالح أمريكا في سعيها لمحاربة روسيا بأيدي الإخوان، مضيفاً: "أمريكا الآن في حرب مع الصين، وهذا هو السبب في انتقال داعش وأخواتها إلى الشرق الأوسط، وأنّ النغمة المنتظرة من الإخوان مستقبلاً؛ هي إنقاذ المسلمين في الصين".
ويضيف أبو السعد: "الإخوان لا يملكون قرار عودتهم، ودورهم الوظيفي سوف ينتهي بتأدية الدور المطلوب منهم".
مراجعات الإخوان هي الحلّ
الخبير في علم الاجتماع السياسي، والأستاذ في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتور فؤاد السعيد، قال لــ "حفريات": "هناك مفهومان لرجوع الإخوان، أو غيرهم من الجماعات السياسية، التي تملك جذوراً اجتماعية؛ الأول مفهوم سطحي سياسي، وهو: هل يمكن أن يعودوا إلى ساحة العمل السياسي، سواء بشكل شرعي، بمعنى أن تقبل السلطة أن يكون لهم أوضاع قانونية تسمح لهم بالمشاركة، أو أن يعودوا كلاعب سياسي معارض ضاغط، بصرف النظر عن الشرعية القانونية؟".

اقرأ أيضاً: الطليعة المقاتلة: الجناح المسلح لجماعة الإخوان في سوريا
يضيف السعيد؛ هناك مستوىً ثانٍ، أكثر عمقاً، وهو: هل يمكن أن يعودوا بمعنى أن يصبحوا قادرين على معالجة المشكلات الفكرية والمفاهيمية التي أدت إلى انفضاض جزئي من المتعاطفين معهم؟ يوضح السعيد: "هل هم قادرون على القيام بمراجعة فكرية شاملة لدى مؤيديهم الذين انفضوا عنهم كي يعيدوا النظر فيهم، لأنّه قد أصبحت لديهم شرعية فكرية وقبول بشكل جديد؟".
ويعتقد السعيد؛ بأنّه إذا تكلمنا على المستوى الأول، فإنّ النظرة القصيرة أو المتسرعة تقول إنّ الأطراف الرافضة لعودتهم للساحة السياسية داخل المجموعة الحاكمة أقوى من التيار الآخر الذي يرى أنّ من العقلانية السياسية استيعاب جماعة من هذا النوع، لافتاً إلى أنّ ذلك يصل بنا إلى أنّه، على الأقل في المدى القريب، لن يكون هناك قبول من المجموعة السياسية الاقتصادية المهيمنة لعودتهم للساحة السياسية.

اقرأ أيضاً: لماذا يدعم الإخوان يوسف الشاهد في تونس؟
لكنّ السعيد يستدرك: "يمكن للخيال السياسي أن يتنبأ بأن حلّ مثل هذه المشكلة قد يأتي من الخارج؛ نتيجة تزايد قناعة أطراف دولية وإقليمية، بأنّ الاستقرار السياسي والاجتماعي في بلد مثل مصر، لن يتحقق إلا بالسماح برافد سياسي إسلامي، ليس بالضرورة أن يكون على شاكلة التكوين الفكري والتنظيمي القديم للإخوان، لكن قد يكون تطويراً بشكل آخر، هنا المجموعة الحاكمة قد تصل إلى الاقتناع بهذه الفكرة أو الانصياع نتيجة بعض الضغوط".
ويستكمل السعيد تحليله بأنّ "المشكل في المستوى الثاني؛ أنّ القطاع الأكبر من القيادات داخل الإخوان من الجيل الأكبر سنّاً، ما تزال تحكمهم فكرة المظلومية، أنهم بعد وصولهم للسلطة نتيجة انتخابات تعرضوا لانقلاب، دون أن يستوعبوا أن هناك قطاعات ممن صوتوا للإخوان قد تراجعوا عما عدّوه خطأً في وقت ما، وأعادوا النظر في الإخوان كخيار سياسي، وذلك يفسر نزول الملايين، في 30 حزيران (يونيو) 2013، وطالما الجيل الأكبر لا يعترف بذلك، فهو يمنعهم عن القيام بمراجعة فكرية عميقة، وليس مجرد تغييرات شكلية".

اقرأ أيضاً: التجربة الحزبية عند الإخوان المسلمين: التنظير والعمل السياسي
ويرى السعيد؛ أنّ السيناريو الآخر هو تزايد ظهور تيار آخر مختلف من داخل الإخوان، قد يكون في الأجيال الوسيطة والشابة أكثر، بدأت بالشعور من وجود أزمة جوهرية، وبأنّ خطابهم القديم، ومفاهيمهم التنظيمية القديمة، وإخفاءهم لفكرة استبعاد الأطراف الوطنية الأخرى من العملية السياسية. وهذه جميعاً كما يرى السعيد "مسائل من الممكن أنها أثرت في أجيال وسيطة من المنتمين للإخوان؛ حيث إنّهم قد يدركون في لحظة ضرورة أنّ هناك حاجة إلى تغيير جوهري".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية