بعد 11 عاماً من الانقسام والعنف السياسي: كيف تحكم حماس غزة؟

فلسطين

بعد 11 عاماً من الانقسام والعنف السياسي: كيف تحكم حماس غزة؟


30/01/2019

منذ احتلال فلسطين، نشأ النضال ضد العدو الصهيوني، وانطلقت حركات وطنية فلسطينية وعربية من أجل تحرير فلسطين، مرت معظمها بمراحل صعود ثم انكفاء؛ حيث تحولت العملية النضالية إلى حربٍ دبلوماسية وسياسية على مساحات من أرض فلسطين، لا فلسطين كلها، كما أصبح العنف السياسي والدعاية الإعلامية أكثر هموم بعض هذه الحركات.

على الصعيد الاجتماعي فإنّ حماس فرضت شرعيةً تتذرع بالدين والمقاومة لتبرير قوتها وفشلها في إدارة مناحي الحياة المختلفة بغزة

حركة "المقاومة الإسلامية"، أو المعروفة اختصاراً باسم "حماس"، كانت أول حركة فلسطينية حملت كلمة المقاومة في اسمها، بعد أن تضاءلت كلمتا تحرير، ونضال، وخبا نجم حركاتٍ حملت الكلمتين في أسمائها لمدة طويلة.
وبدا أنّ المقاومة هي أفضل الممكن؛ حيث تطورت حركة حماس ثم لمع نجمها منتصف التسعينيات، بفضل معارضتها لاتفاقية "أوسلو" التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية مع"إسرائيل"، وقامت بعمليات ضد الاحتلال بصورة مستقلة عن "منظمة التحرير". وبقيت الحركة تبدو صاحبة خطٍ راديكاليٍ قوي، إلى أن قامت عام 2007 بالاستيلاء على قطاع غزة، بصورة أشبه باقتطاعه فعلياً من أرض فلسطين. فهل خدمت حركة "حماس" فلسطين باستيلائها على قطاع غزة؟ ثم كيف تحكم الحركة هذا القطاع الذي يعاني من مشاكل كثيرة متراكمة ليس آخرها الاحتلال؟

تأسست حركة حماس، على يد الشيخ أحمد ياسين في 1987

من الثورة إلى الزعامة

تأسست حركة حماس، على يد الشيخ أحمد ياسين في 1987، بعد عمليةٍ نضالية ضد شاحنةٍ عسكريةٍ صهيونية، ووفق ما هو معلنٌ من رؤيتها الفكرية على مواقعها الرقمية الرسمية، فإنها حركة "لا تؤمن بأي حق لليهود الذين أعلنوا دولتهم (إسرائيل) عام 1948 باحتلالهم فلسطين، ولكن لا تمانع في القبول مؤقتاً وعلى سبيل الهدنة بحدود 1967، ولكن دون الاعتراف لليهود الوافدين بأي حق لهم في فلسطين التاريخية. وتعتبر صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي، صراع وجود وليس صراع حدود".

لم تعد مسألة المقاومة ضد الاحتلال هدفاً نهائياً لحماس بل أصبحت مجرد اداةٍ لكسب الشرعية من أجل البقاء في السلطة

ومن المعروف أنّ لدى حركة حماس جهازاً عسكرياً قوياً، هو "كتائب القسام". وتتميز الحركة ببنية أيدلوجية مقبولة اجتماعياً؛ لأنها دينية بالأساس. بينما حظيت بدعم شعبي فلسطيني وإسلامي كبير من الإخوان وتركيا مثلاً؛ لأنها كانت بحسب رؤية مؤيديها "لا تتوقف عن المقاومة، ولأن شعاراتها دينية". لكن هذا كله، لم يمنع انقلاب حماس في غزة عام 2007. وهو انقلابٌ على مبادئها في الأساس. وليس انقلاباً على حركة أخرى مثل فتح أو غيرها.
الحركة، انقلبت أولاً على فكرة الإسلام الوسطي المعتدل، وكتائب القسام التي لا توجه سلاحها إلا إلى العدو الصهيوني، توجهت إلى الاستيلاء على قطاع غزة في 2007. بالقوة المبررة بصناديق الاقتراع. بعد نجاح حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006. وعلى إثر خلافات مع السلطة الوطنية الفلسطينية. تحولت غزة إلى ساحة قتل وعنف وحرب شوارع. انتهت بسيطرةٍ لحماس، وبالاستيلاء على قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: لماذا رفضت حماس أموال قطر؟
وفي تقرير نشرته شبكة "بي بي سي" في 17 حزيران (يونيو) 2013، يقول أحد مواطني غزة، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة فتح آنذاك؛ فيصل أبو شهلا:
"كانت تلك المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الانقسام في المجتمع الفلسطيني؛ فالفلسطينيون موحدون عادة، ونحن لا نهتم كثيراً باختلافاتنا الدينية أو الاختلافات في الأصول، لقد أدى هذا الانقلاب إلى تقسيم قطاع غزة والضفة الغربية، وهو ما أضعف القضية الفلسطينية، وكانت ... إسرائيل هي التي خرجت مستفيدة من ضعفنا". 

اقرأ أيضاً: صراعات حماس وفتح ..هل تعبد الطريق أمام صفقة القرن؟
ويضيف أبو شهلا: "كنت في غزة خلال 2007، أمارس مهام عملي كعضو بالبرلمان، وكانت هناك بالفعل آراء متضاربة بين فتح وحماس، ولم تكن "حماس" قادرة على إدارة الحكومة، ودفع المرتبات، والحصول على اعتراف من الدول الأوروبية المانحة، ومن المنظمات الدولية. وقد أدى هذا إلى نشوب اشتباكات بينهما، وقررت "حماس" استخدام العنف والقوة لإنهاء هذا الصراع".

ليس سهلاً التمييز بين شرطة حماس ومقاوميها فالكل ملثمون

ومن جهته، وحسب التقرير ذاته، يتحدث عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن حماس، أنور أبو زابون "أنّ كل شيء أصبح عبارةً عن جولاتٍ من الخلافات، ومحاولات عقد المصالحة بين فتح وحماس، لكن دون جدوى". وفي النهاية لم تعد مسألة المقاومة ضد الاحتلال، هدفاً نهائياً لحركة حماس، بل أصبحت مجرد أداةٍ لكسب الشرعية، من أجل البقاء في السلطة، والمقصود هو حكم قطاع غزة، ومحاولة إبقائه كجزيرة حمساوية خاصة، لا تشبه الضفة الغربية في شيء.

هيومان ررايتس ووتش: حماس تنتهك حياة مواطنيها وتفشل في إدارة وتسيير الحياة اليومية في قطاع غزة الفقير

وكان قائد الجبهة الجنوبية لجيش الاحتلال سامي ترجمان، قال في أيلول (سبتمبر) عام 2013 للتلفزيون الصهيوني (القناة الثانية)، إنّ "حكم حماس في غزة مفيد لإسرائيل، لأن الحركة تفرض الهدنة عموماً، وتتحكم بإطلاق الصواريخ، وستكون كارثة وصول تياراتٍ إسلامية أكثر تشدداً  لحكم القطاع".
ويتحدث الصهاينة متناسين، ما حصل في العام 2008، وفي العام 2012، من مذابح بسبب قصفهم القطاع الذي يعاني أصلاً من مشاكل في الخدمات والبنى التحتية، والفقر والبطالة. إذ استشهد ما لا يقل عن "2000" فلسطيني معظمهم مدنيون، بحسب تقارير الأمم المتحدة، عدا عن الجرحى والمصابين بإعاقاتٍ دائمة، إضافةً إلى الدمار. إذ يبدو أنّ قطاع غزة  يتعرض لأسلوب صهيوني هو "عمليات الاستئصال"، التي تضرب القطاع أولاً بأول كلما شعرت بخطرٍ ما منه، بينما تقوم حماس بعملية الترميم بالمقابل، على أساس أنّ هجوم الصهاينة يكسبها المزيد من الشرعية للبقاء في الزعامة، وليس من أجل الثورة وتحرير فلسطين.
قطاع يائس
في تقرير موسع لشبكة "يورونيوز" بتاريخ 13 حزيران (يونيو) العام 2017، يُوصف قطاع غزة أنه "فاشل، لأن حماس فشلت في تسيير قطاع غزة من الناحية الإدارية؛ حيث لم تظهر الحركة الفعالية والإيجابية الإدارية الضرورية للنهوض بالقطاع، وكثيراً ما كانت الحركة ترجع فشلها في الحكم إلى العوامل الخارجية. لكن سكان القطاع، والذين يتعاملون مع حركة حماس يومياً، كانوا على يقين بأنّ معظم المسائل هي تحت السيطرة الكاملة لحماس".

اقرأ أيضاً: آخر أخبار التصعيد بين فتح وحماس
ويشير التقرير كذلك إلى أن حماس، لم تحرز أي تقدم بشأن مختلف الأمور التي تؤرق مواطني القطاع. بالرغم من بساطة بعض المسائل التي كانت تبدو أساسية بالنسبة لسكان غزة كونها تؤثر على نوعية حياة المواطن، وبالتالي لم تتمكن حركة حماس من التخفيف لا من قساوة يوميات المواطن، ولا من البؤس الذي يعانيه.

تحرص حماس على رفع أعلام الحركة أكثر من رفعها علم فلسطين

كما يضيف أنّ "قطاع غزة ليس له أي موارد طبيعية. ويعاني من نقص مزمن في المياه. وتبلغ نسبة البطالة في القطاع 45%، ويعتمد أكثر من ثلثي سكانه على المساعدات الإنسانية". ناهيك عن شهادةٍ من غزيين أوردها التقرير ذاته دون ذكر أسمائهم، حيث يقول أكثر من شخصٍ منهم "إن البحر ملوث بنسبة 99%، فما لنا إلا نسبة الـ 1% الباقية لنسبح فيها، الكهرباء تنقطع كثيراً، والحرارة والرطوبة مرتفعتان، النوم والعيش والعمل كلها أمورٌ صعبة، عدا عن الحرب التي تدق الباب بين حينٍ وآخر".

اقرأ أيضاً: حماس تناصر أردوغان في معركته المفتعلة مع نتنياهو
وتعكس هذه الشهادات، إضافةً إلى تقريرٍ استمر إعداده عامين، وقامت به منظمة "هيومان رايتس ووتش"، ونشرته صحيفة "الحياة" في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2018، إذ ترد فيه معلومات عديدة حول انتهاك حماس لحياة المواطنين، والمعارضين لها، وذلك تذرعاً بوجود من يعدون "خونة أو متعاملين مع العدو" ولكن هؤلاء ليسوا كل معارضي حركة حماس وحكمها في غزة.
ويذكر التقرير أيضاً، أن سوء حياة الفلسطينيين في غزة، و"سوء التسيير وقساوة يوميات الغزيين، شجع نشاطاً هو التهريب؛ حيث أصبح التهريب عبر الأنفاق تجارة منتشرة وتدر الكثير من الأموال على ممتهنيها، وامتد التهريب من المواد الغذائية ليشمل الأسلحة والمتفجرات والمخدرات وحتى غسيل الأموال".

مشعل وهنية في قطر

ويبدو أنه على الصعيد الاجتماعي، فإنّ حركة حماس فرضت شرعيةً تتذرع بالدين والمقاومة لتبرير قوتها وعنفها وفشلها في إدارة مناحي الحياة المختلفة في غزة، فهي اشتهرت بقمع معارضيها السياسيين من فتح وغير فتح، مثلما حصل في حادثة "أنصار الله" في 2009، حين قامت حماس بمهاجمة مسجد اعتصم فيه أعضاء حركة (جهادية تكفيرية) كما قالت حماس في حينه، وخلف الهجوم أضراراً بالغة بالمسجد إضافة إلى 22 قتيلاً فيما عُد حينها "جريمة" ضد حقوق الإنسان، وضد حركةٍ لا تختلف فكرياً عن حماس بالكثير.

اقرأ أيضاً: حماس تمنع المهرجانات الموسيقية بغزة حفاظاً على الأخلاق
أما في القطاع، فإنّ نقد حماس ممنوع، والصلاة في غير مساجدها يعرض أصحابه للشك، أو على الأقل فإنّ الولاء لحماس والمسير في مظاهراتها داخل قطاع غزة، وحضور احتفالاتها أمرٌ يجب أن يحصل حتى يبعد المرء الشكوك عنه، فربما يتهم بالخيانة، أو الانضمام لفصيلٍ فلسطينيٍ آخر، وهذه خيانةٌ أيضاً. وتشهد حوادث مثل اعتداء حماس على مصلين في مسجد الإيمان بالبريج عام 2017 لرفضهم خطبة إمام المسجد الحمساوي ضد حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى، وكذلك اعتداء شرطة حماس على متظاهرين لا ينتمون للحركة، كانوا تظاهروا ضد غارات الاحتلال الصهيوني على غزة في 2013. بل إن شرطة حماس تلاحق المواطنين لأنهم لم يلتزموا بشكلٍ معين بارتداء ملابسهم أو تسريحات شعرهم، وفقاً لتقارير أعدتها "بي بي سي" عامي 2013 و2017.

جانب من تقارير بي بي سي:

أما على الصعيد السياسي لحماس، فإنها حاولت أن تبني زعامةً ودولةً من لا شيء؛ إذ اكتفت بدعم دولة قطر لها ومنح حكامها لحماس مليارات الدولارات كما تم إعلانه مراراً، سواء لدعم بنية غزة التحتية أو إعادة الإعمار بعد الحرب مع العدو الصهيوني أو غيرها. لكن مرات كثيرة كان آخرها عام 2018، شهدت مظاهراتٍ للمواطنين الغزيين، يسألون عن "دعم قطر، وأين ذهبت الأموال التي اختفت في جيوب حركة حماس، وتم التساؤل كثيراً عن دور هذا الدعم في تعزيز الانقسام الفلسطيني مع فتح ومنظمة التحرير". وهو ما أدى إلى حصارٍ خانقٍ ضد أهل القطاع، وخلافاتٍ مع مصر المنفذ العربي الوحيد للغزييين. إضافةً إلى دخول قادة حماس، مثل خالد مشعل (مقيم في قطر منذ أعوام)، وإسماعيل هنية، وغيرهم من قادة الحركة، في حساباتٍ سياسية خارجية ودولية لا تخدم فلسطين في شيء.

ربما أدى دعم دولة قطر لحماس مالياً إلى تعزيز الانقسام الفلسطيني عبر أموالٍ كبيرة لم يستفد منها الغزيون ويسالون: أين ذهبت؟

ولعل حركة حماس، انتهجت خطاً سياسياً وعملياً طوال هذه الأعوام، حول نضالها ومقاومتها إلى مجرد ورقةٍ سياسية من أجل الحكم في غزة، وتطلب هذا منها انقساماً وعنفاً سياسياً مع الفصائل الفلسطينية من جهة، وعنفاً ضد من يقبع تحت حكمها من سكان غزة، الذين يتعرضون لدمار ممنهج فيما يخص حياتهم اليومية، فكأنّ العدو من فوقهم بطائراته، والقمع على أرضهم بهراواته. وأخيراً؛ يخرج سكان غزةً ومعظمهم من الأطفال والشباب، تجاه السياج الحدودي في مظاهراتٍ ضد الاحتلال لكسر الحصار المفروض عليهم منذ أعوام. والسلطة في رام الله ليست أحسن حالاً. لكن هؤلاء السكان أصبحوا سجناء لطموحات الاحتلال والفصائل معاً. ولا بد أن مظاهراتهم تلك تعبر عن قهرٍ ضد الجميع، ما هو معلنٌ ضد العدو، وما هو موجه للداخل، وغير معلن.

اقرأ أيضاً: أسرار علاقة قطر بحماس



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية