خوفاً من التوظيف السياسي.. تونس تقرّر تحييد مساجدها

تونس

خوفاً من التوظيف السياسي.. تونس تقرّر تحييد مساجدها


25/03/2019

مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابيّة في تونس، تزايدت مخاوف الأحزاب السياسيّة الليبراليّة، والوسطيّة من توظيف الأحزاب ذات المرجعيّة الدينيّة المساجد ودور العبادة في خدمة حملاتها الانتخابيّة، خشيةً من تكرار تجربة الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العام 2014، عندما خرج بعض الدعاة عن دورهم في الدعوة الدينيّة، لدعم المرشّحين والدخول على خط السياسة، وهو ما دفع السّلطات إلى إطلاق حملةٍ لإبعاد المساجد عن الدعاية السياسيّة خلال الانتخابات القادمة.

مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابيّة التونسية تزايدت مخاوف الأحزاب الليبراليّة والوسطيّة من توظيف دور العبادة بالحملات الانتخابيّة

وتقترب تونس من إجراء ثالث انتخابات برلمانيّة ورئاسية بعد الثورة، تقرّر موعدها رسميّاً في تشرين الأوّل (أكتوبر) وحتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، فيما بدأت الأحزاب السياسية بحشد كل الإمكانات المتاحة لها؛ لاستقطاب أكبر قدرٍ ممكنٍ من الناخبين.
وترجّح المستجدّات السياسيّة أن يكون التنافس قوياً بين حزب النهضة الإخواني، وحزب "تحيا تونس" الجديد بزعامة رئيس الوزراء يوسف الشاهد، إضافةً إلى حزب "نداء تونس" الذي يترأسه حافظ قايد السبسي نجل رئيس البلاد، وكذلك الجبهة الشعبية وحزب التيار الديمقراطي.
ميثاق شرف الأئمّة
وأعلن وزير الشؤون الدينية التونسي، أحمد عظّوم، أنّ وزارته أعدّت خطةً للعام 2019، من أجل تكوين 2730 إطاراً دينياً وواعظاً من خلال مشاركتهم في 19 ندوة علميّة وحواريّة، ستشمل مختلف محافظات البلاد، لإعداد "ميثاق الشرف للأئمة الخطباء، بهدف تحييد المساجد عن العمل السياسي".

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب تقاضي النمسا أئمة مساجد
وأوضح عظّوم أنّ "الإمام الخطيب يخضع لضابطٍ ديني ودستوري، ولا بدّ من الالتزام بميثاق الشرف، بانتظار استكمال (دليل الإمام الخطيب) الذي سيكون أكثر موضوعيّة"، وكشف أيضاً عن وجود "حوالي 260 جمعيّة تنشط داخل المساجد أغلبها غير خاضعة للمراقبة؛ لأنّ القوانين الحالية لم تخوّل لوزارة الشؤون الدينيّة بشكلٍ واضحٍ لمراقبتها"، داعياً لإجراء تعديلات في هذا الصدد.

أعدت وزارة الشؤون الدينية التونسية خطةً لإصدار ميثاق الشرف للأئمة الخطباء
خطوةٌ باركها الأمين العام لنقابة الأئمّة في تونس فاضل عاشور، ورجّح في تصريحه لـ "حفريات"، أن تضفي مزيداً من المصداقية والشفافية على العمليّة السياسية، ونتائج الانتخابات، لافتاً إلى أنّها مطلبٌ قديمٌ لبعض الأئمّة المستقلّين.

فاضل عاشور: عُيّن حوالي 400 واعظ ديني يحملون أفكاراً متشدّدة ومتطرّفة لا تتلاءم مع المجتمع التونسي وسياسة الدولة

وحذّر عاشور، من التعيينات التي جرت في وزارة الشؤون الدينيّة، في عهد الوزير نور الدين الخادمي، الذّي قال إنّه عيّن حوالي 400 مائة واعظٍ يشرفون على الشأن الديني في تونس يحملون أفكاراً متشدّدة ومتطرّفة، لا تتلاءم مع المجتمع التونسي، ولا سياسة الدولة، حسب تعبيره.
من جهةٍ أخرى، أوضح وزير الشؤون الدينية أنّه "لا يوجد في تونس، مساجد خارجة عن سيطرة الحكومة التونسيّة، لكن هناك 3390 مسجداً تم بناؤها بعد الثورة، منها 393 دون تراخيص"، لافتاً إلى أنّ "الدولة ستصحّح وضعيّتها القانونيّة، وأنّها تخضع جميعها لمراقبة اللّجان الجهويّة لتحييد المساجد".
وحسب إحصائياتٍ رسميّةٍ للعام 2017، يبلغ عدد المساجد في تونس 4480 مسجداً، ويشرف على تسييرها أكثر من 18 ألف إطارٍ ديني، من بينهم أكثر من 2400 إمام، ويتعهّد بمهمة مراقبة الخطاب الديني وخاصةً خطب الجمعة، سلك الوعّاظ الذين يبلغ عددهم 600 واعظ موزّعين في أنحاء البلاد.
اتهامات باستغلال دور العبادة
وكانت أحزاب محسوبة على التيّار اليساري والليبرالي، طالبت منذ الانتخابات الأولى التي أعقبت الثورة العام 2011، بإبعاد المساجد ودور العبادة عن الدعاية السياسية، واتّهمت الأحزاب الإسلاميّة بتوظيف الفضاءات الدينية أثناء حملاتها الانتخابية، كما اتّهمتها بحشد أصوات المساجد.
كما أثار ترشح عددٍ كبير من الأئمّة للانتخابات المحليّة التي جرت في 6 أيار (مايو) 2018، والتّي قدّرها بعض المتابعين للشأن التونسي بـ100 إمامٍ، جدلاً كبيراً في الساحة التونسية، حول التخوف من "الخلط بين الدين والسياسة"، واستغلال منابر المساجد في الدعاية للجهات السياسية التي يمثّلونها، على رأسها حركة النّهضة ذات المرجعيّة الدينيّة، قبل أن تتدخّل السلطات، وتقرّر إعفاءهم من الصعود على المنابر لإلقاء خطب الجمعة بصفة مؤقتة إلى فترة ما بعد الانتخابات.

زهير حمدي: بعض الأئمّة مازالوا يتكلّمون باسم أحزاب معيّنة ويدعون في خطبهم إلى التصويت لحركة النّهضة

وعبّر عن ذلك النائب عن ائتلاف الجبهة الشعبيّة المعارضة، زهير حمدي، الذي أبدى تخوّفاً في حديثه لـ "حفريات"، من إعادة سيناريو 2011، و2014، "حيث استغلّت أطرافٌ حزبيّة ذات مرجعيّات دينيّة، في إشارة إلى حركة النهضة، المساجد وطوّعتها إلى دعايتها السياسية، وهو ما ساعدها في تحقيق نتائج ايجابيّة خلال المحطّات الانتخابية الماضية".
ودعا حمدي الحكومة إلى بذل جهدٍ أكبر في تحييد المساجد، والإدارات، ومراقبة تمويل الأحزاب، فضلاً عن مراقبة الإعلام، لتنقية المناخ الانتخابي، لافتاً إلى أنّ بعض الأئمّة "مازالوا إلى اليوم يتكلّمون بأسماء أحزاب معيّنة خلال خطبهم، وهو ما حدث الأسبوع الماضي، حين دعا إمام بالعاصمة تونس، إلى التصويت لحركة النّهضة، دون صرف النّظر عن نشاط حزب التحرير المحظور، الذي لا يؤمن بالدولة، وبالقوانين التي يعتبرها وضعيّةً".

اقرأ أيضاً: هل تنجح تونس في تحييد المساجد في الانتخابات؟
وقد اكتسحت حركة النهضة الإخوانية نتائج أول انتخاباتٍ ديمقراطيّة في البلاد في العام 2011 لتقود ائتلافاً مع حزبين صغيرين في الحكم حتى بداية  العام 2014 عندما استلمت حكومة غير متحزّبة السلطة تمهيداً لأوّل انتخابات رئاسيّةٍ، وبرلمانيّةٍ في نهاية العام 2014، بعد صدور دستورٍ جديدٍ في البلاد وإعلان الجمهوريّة الثانية.
واعتبر مراقبون آنذاك أنّ مواصلة مراهنة حركة النّهضة على الإطارات الدينيّة في معاركها السياسية تؤكد عدم إرادتها في فصل الدعوي عن السياسي، بعد أن أعلنت عن اتخاذ هذه الخطوة منذ مؤتمر الأخير في أيار (مايو)  العام 2016.
 المساجد أكبر خزّانٍ انتخابي وأداة خطيرة في الحملات الانتخابيّة

فضاءات للعبادة
في هذا السياق، قال النائب عن حركة النّهضة، سليم بسباس، إنّ دستور تونس الجديد ينصّ على أنّ المساجد فضاءات للعبادة، "ويجب أن تبقى بعيدة عن التجاذبات الحزبيّة، والسياسية"، معتبراً أنّ كلّ الأحزاب بما فيها حركة النّهضة، تلتزم بما جاء في الدستور، وأنّ "مرجعيّة الأحزاب ليست أصلاً تجارياً، بل هي فقط تعكس مشاريعها السياسية"، مؤكداً، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ قرار الحكومة بتحييدها المساجد خلال الفترة الانتخابيّة، "خطوة ايجابيّة لخدمة مشروع الدولة المدنيّة التي وضعها الدستور".

اقرأ أيضاً: مَن يسيطر على منابر المساجد في مصر؟
من جانبه، يرى المحلل السياسي ومدير المعهد المغاربي للدراسات الاستراتيجية، الطاهر شقروش، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ "المساجد تعدّ أكبر خزّان انتخابي، وأداةً خطيرةً في الحملات الانتخابيّة؛ لأنّها تستغل الجانب العاطفي لروّادها، والجانب الديني للتأثير عليهم"، لافتاً إلى "أنّها تؤثّر بشكلٍ خاصٍّ على أصحاب الوعي السياسي الضعيف، ومن ليست لهم دراية كبيرة بالشأن الحزبي"، وشدّد شقروش على ضرورة التأكّد من حياد كلّ دور العبادة، لضمان سلامة العمليّة الديمقراطيّة في تونس، ولضمان نجاح استكمال مسارها الديمقراطي.

الصفحة الرئيسية