في كابول.. عودة طالبان المحتملة تقسّم الأفغان

في كابول.. عودة طالبان المحتملة تقسّم الأفغان


كاتب ومترجم جزائري
14/03/2019

ترجمة: مدني قصري


بدأت جولة جديدة من المفاوضات، في 25 شباط (فبراير) 2019، في الدوحة، بين الولايات المتحدة وحركة طالبان؛ فمنذ عدة أشهر، كانوا يتحدثون من أجل إيجاد حلّ وسط لإنهاء 17 عاماً من الصراع بأفغانستان.

مع استمرار المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في قطر، أصبحت عودة طالبان إلى السلطة معقولة بشكل متزايد

في شهر كانون الثاني (يناير)؛ واشنطن وحركة التمرد، التي كانت في السلطة في البلاد بين عامي 1996 و2001، جرى الحديث عن "مشروع اتفاق"، قائم على وعد طالبان بمنع البلاد من أن تستعمل كقاعدة خلفية للجماعات الإرهابية مثل؛ تنظيم القاعدة حليفتها التاريخية، مقابل انسحاب وشيك للقوات الأمريكية المتواجدة في الأراضي الأفغانية منذ عام 2001.
مع استمرار المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في قطر، أصبحت عودة طالبان إلى السلطة معقولة بشكل متزايد، إذا كان هذا الاحتمال يخيف العديد من المراقبين وأعضاء المجتمع المدني، فإنّ آخرين، ممن خاب أملهم في الديمقراطية الأفغانية الهشة، يرحبون بعودة طالبان إلى الحكم.
ترامب يكسر تابوهاً
أحد الأسئلة التي تطرحها هذه المناقشات هو، على وجه التحديد، حول مصداقية طالبان؛ هل هم قادرون على الحفاظ على كلمتهم وتقديم الضمانات، في حين أنّ الولايات المتحدة تأمل في التوصل إلى اتفاق سلام طويل الأجل، يسمح لها بسحب قواتها من أفغانستان؟

ترامب كسر تابوهاً كبيراً من خلال فتح مفاوضات مباشرة مع طالبان على عكس جميع أسلافه

ترامب، الذي يتمتع ببعض الإجماع حول هذه المسألة داخل إدارته ومن قبل الطبقة السياسية، التي توصلت -رغم بعض التساؤلات حول طرق حوار الدوحة- إلى استنتاج مفاده؛ أنّ الحرب ستكون بلا نهاية في هذا البلد.
ومن هذا المنطلق؛ ومن أجل تنفيذ واحدة من وعود حملته الانتخابية، فإنّ الرئيس الأمريكي، الذي أعلن حتى عن رغبته في سحب جزء من الجنود البالغ عددهم 14000، المتواجدين بعين المكان، قد كسر تابوهاً كبيراً من خلال فتح مفاوضات مباشرة مع طالبان، على عكس جميع أسلافه.
طالبان أفضل من الحرب
على قارعة الطريق المزروعة بالحفر، تحاول امرأة قصيرة القامة تحمل الشادور، أن تلحق أطفالها الصغار التائهين بين أكشاك الخضروات، الشابة حميدة مرهقة، لكن لو سُئلت عما تفكر فيه في المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة، ستُسقط سلّتها من على ظهرها وتشرع في مونولوج شغوف:
"أخيراً، ربما سنحصل على السلام!"، هكذا تتحمس الخمسينية التي عانت من الغزو السوفييتي عام 1979، والحرب الأهلية، وحكومة طالبان ثم التدخل الأمريكي، أي أربعين عاماً من الصراع؛ "أياً كان الذي سيخرج من هذه المحادثات، طالما هناك سلام، فهو يناسبني، حتى لو استولت طالبان على السلطة مرّة أخرى، فإنها ستكون أفضل من الحرب"!

اقرأ أيضاً: ما نتائج مفاوضات واشنطن وطالبان؟
في الدوحة؛ تجري جولة خامسة من المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان، وترفض الأخيرة إجراء حوار مع الحكومة الأفغانية، الهدف: التوصل إلى اتفاق سلام، بعد ثمانية عشر عاماً من التدخل الأمريكي في عام 2001.
إنّ عودة طالبان إلى السلطة، على سبيل المثال داخل حكومة وحدة وطنية، أمرٌ مقبول على نحو متزايد، ولا تخفي إدارة ترامب رغبتها في إنهاء هذه الحرب التي تعثّرت فيها الولايات المتحدة، ويخشى العديد من المراقبين من التوصل إلى اتفاق سريع، مما قد يمنح الانتصار لطالبان.
" لو استولت طالبان على السلطة مرّة أخرى، فإنها ستكون أفضل من الحرب"!

المتمردون "في موقف قوي"
قال مايكل كوجيلمان، نائب مدير مركز "ويلسون": "في التسرع في التوصل إلى اتفاق سلام، يمكن للوفد الأمريكي تقديم المزيد من التنازلات أكثر مما كان يمكن القيام به بشكل مثالي"، "وبعبارة أخرى؛ من الواضح أنّ طالبان في موقع قوة، ويمكن أن تكسب بشكل شرعي السلطة السياسية في أفغانستان ما بعد الحرب".
طالبان لا تحترم النساء
في كابول؛ يتابع السكان المحليون هذه المفاوضات عن كثب، مستقبلهم، وأنماط حياتهم كلها تعتمد على مصير هذه المفاوضات؛ منذ عام 1996 إلى عام 2001، حكمت طالبان البلاد بالإرهاب،..، بالقمع والرجم وغيرهما من طرق التعذيب، كانت تقمع أولئك الذين تجرّؤوا على كسر قواعدها الصارمة، تسير فرانجيس، البالغة من العمر 22 عاماً، مع صديق لها في شوارع كابول، وقد وضعت حجاباً أحمر فوق خصلات شعرها البارزة؛ "عودة طالبان ستكون كارثية، إنّهم لا يحترمون النساء"، هكذا قالت هذه الطالبة صاحبة المكياج الأنيق، وتابعت: "يقول البعض إنهم تغيّروا، وإنهم لن يفرضوا بالضرورة البرقع، لكنني لا أصدّق ذلك".

اقرأ أيضاً: القوات الأفغانية تشن هجوماً على طالبان.. حصيلة القتلى
أعربت عدة منظمات لحقوق الإنسان عن مخاوفها من احتمال عودة طالبان، في الأسبوع الماضي، تجمعت حوالي 700 امرأة في كابول تحت خيمة ضخمة للمطالبة بحقوقهن، أياً كانت العواقب.
"عودة طالبان ستكون كارثية، إنّهم لا يحترمون النساء"

"كنا جميعاً على قدم المساواة أمام القانون"
لكن بعيداً عن منظمات المجتمع المدني في الأحياء الراقية في العاصمة، فإنّ الآراء أكثر انقساماً، فعلى سبيل المثال؛ في حُسين خِيل، وهو حي فقير، فإنّ عودة طالبان غير مُخيفة؛ بل إنها متوقّعة، أمام متجر بقالته الصغير، يقول مصطفى، في الثلاثينيات من عمره، في صراحة وحزم: "لا شيء يمكن أن يكون أسوأ من الحكومة الحالية؛ فهي لم تتمكن من وقف الحرب؛ وفوق ذلك تسخر من الأفغان، لقد كسبت النخبة ملايين الدولارات بفضل المساعدات الأجنبية، فيما نحن ما نزال نعيش في الفقر".

اقرأ أيضاً: محنة أبي حنيفة مع حركة طالبان
"هذا صحيح!" يضيف أحد زبائنه، وهو رجل مسن يرتدي سترة تقليدية؛ "على الأقل، مع طالبان، كنا جميعاً متساوين أمام القانون، النزاعات كانت تحل في ثلاثة أيام، والآن عليك الانتظار ثلاثة أعوام، إلا إذا كانت لديك وسيلة لدفع رشاوى".
انحراف الدوائر الثرية
هذا فيما يشجب آخرون انحراف الأخلاق في الدوائر الأكثر ثراء، في الفِناء الخلفي لمجمع سكني عتيق الطراز، خرج إخيتيتش، البالغ من العمر 22 عاماً، وقال: "أرى المزيد والمزيد من الفتيات يرتدين ملابس على النمط الغربي، والجميع يعرف أنهنّ يتصرفنّ مثل الكفار، وهذا بسبب الوجود الأجنبي منذ ثمانية عشر عاماً، وهذه الحكومة التي تتغاضى عن تصرفاتهنّ، لقد حان الوقت كي يغادر الأمريكيون البلاد، وتعود طالبان إلى الشريعة".
المتمردون: لا لوقف إطلاق النار
علاوة على ذلك؛ تطالب طالبان، كشرط لا رجعة فيه في أيّ اتفاق سلام، بانسحاب القوات الدولية من أفغانستان، وكان كبير المفاوضين في الوفد الأمريكي، زلماي خليل زاد، قد حاول المطالبة بوقف إطلاق النار من جانب الجماعة المتطرفة، لكنّ طلبه رُفض، في النهاية؛ الولايات المتحدة هي التي وعدت رسمياً بسحب قواتها في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام، وبأنّ جميع القوات الدولية ستفعل الشيء نفسه.
هل ستكون لطالبان أولويات أخرى؟
العديد من الأفغان الذين يدعمون عودة طالبان إلى السلطة مقتنعون بأنّ المجموعة قد تغيرت؛ حسيب الله، 20 عاماً، يدير فريق كرة قدم محلي، وهو يعلم أنّه "في وقت سابق كانت الموسيقى والتلفزيون والرياضة ممنوعة، لكن إذا استعادت حركة طالبان السلطة، فستكون لها أولويات أخرى، أكثر من منعه من ارتداء الحذاء ذي المخالب، كما يقول: "إنّ خطتهم هي فقط إعادة بناء البلاد، وإنهاء هذه الحكومة التي لا تقدّم لنا شيئاً".

سيما سمر: للشعب الأفغاني الحق بمعرفة ما يجري

تقوم سيما سمر، وهي طبيبة متخصصة بالدفاع عن حقوق النساء الأفغانيات منذ عقود؛ وهي الفائزة بجائزة (Right Livelihood Award)؛ التي تعدّ جائزة نوبل بديلة، حصلت على وسام وضع المرأة بعد سقوط نظام طالبان عام 2001، وهي الآن تترأس اللجنة الوطنية الأفغانية لحقوق الإنسان، وهي هيئة مستقلة غير تابعة للحكومة، وهي صوت قوي مهدَّد بانتظام.

سيما سمر، طبيبة متخصصة بالدفاع عن حقوق النساء الأفغانيات
حول هذه المفاوضات، كان لصحيفة (Le Temps) الفرنسية، مع سيما سمر، هذا الحوار:

*ما رأيك في مفاوضات الدوحة؟
الحوار دائماً أفضل من استمرار عمليات القتال المستمرة، في الأعوام العشر الماضية؛ دفع الأفغان ثمناً باهظاً، لقد مات أكثر من 70.000 مدني، دون عدّ المقاتلين، سواء من جانب الحكومة أو من جانب طالبان، كلّ هؤلاء الناس يجب ألا يكونوا قد ماتوا عبثاً، علينا أن نتعلم من الماضي.
*إدماج الضحايا والحكومة في عملية السلام
الضحايا يجب إدماجهم في عملية السلام، وإلا فإنّ دوامة الثأر والانتقام لن تتوقف أبداً. في أفغانستان؛ هذه الدوامة مستمرة منذ أربعة عقود، والحال أنّ مفاوضات الدوحة سرية وليست شاملة، الحكومة الأفغانية، مهما كان رأينا بها، يجب دعوتها إلى الطاولة؛ فهي أيضاً تحارب طالبان، ولن يكون هناك حلّ من دونها.
*محادثات السلام يجب أن تكون سرية حتى تتقدّم، أليس كذلك؟
أنا لا أدّعي معرفة كلّ التفاصيل، لكنّ الشعب الأفغاني له الحقّ في معرفة ما يجري، مستقبله على المحك، العملية الحالية تخلق الكثير من الشكوك، وهذه قد تأتي بنتائج عكسية، حتى وإن كنت لا أؤمن بإمكانية حلّ الصراع في غضون بضعة أشهر.
*الولايات المتحدة مع ذلك تريد الانسحاب في أقرب وقت ممكن من أفغانستان.
قد تتوصل الولايات المتحدة إلى صفقة سياسية، لكن هذا ليس تعريفي لاتفاقية السلام، التي يجب أن تفي بمتطلبات العدالة، الأمر ليس إدانة جميع المسؤولين عن الفظائع، ولكن على الأقل الاعتراف بمعاناة الضحايا، وبالمثل، تطلب الولايات المتحدة من طالبان ألا تجعل البلاد ملجأ للجماعات الإرهابية، ولكن كيف يمكن لطالبان أن تضمن هذا؟ إنها عاجزة جداً عن السيطرة على كل أفغانستان، أيّ ترتيب متسرّع لن يحلّ أيّ شيء.
*هل يمكن للدولة الإسلامية تجاوز طالبان؟
لا أحد يعرف ما هي قوّتهم بالضبط؛ إنهم يعلنون مسؤوليتهم عن بعض الهجمات، أخشى أن يستمر الناس في القتال تحت أسماء مختلفة في حالة وجود ترتيب سياسي فاشل، إنها قضية المجتمع الدولي بأكمله، هجمات الحادي عشر من سبتمبر تم تدبيرها وتخطيطها في أفغانستان. قبل عام 2001؛ كنت أدخل البرلمان والحكومة السويسرية دون أيّ تفتيش، لقد كان للأحداث في بلدنا تأثير عالمي، علينا ألا نكرر الأخطاء نفسها.

*هل تعتقدين أنّ حركة طالبان قد تغيرت؟
صارت طالبان تتحدث وتعبّر عن آرائها الآن على شاشات التلفزيون، وهو أمر جديد، لكن لا أعتقد أنها تطورت؛ انظروا إلى سياستهم في المناطق التي يسيطرون عليها؛ لا توجد حتى الآن مدارس للبنات، إنهم يريدون تطبيق الشريعة، فليكن، أنا أيضاً مسلمة، لكن يجب أن نتّفق على ما يجب أن يكون عليه تفسير الشريعة الإسلامية، شريعتهم أكثر صرامة من شريعة السعوديين، في المملكة العربية السعودية، على الأقل، هناك مدارس للبنات.
*عام 2018؛ أكثر الأعوام دموية بالنسبة إلى المدنيين
يرى المراقبون أنّ الطريق ما يزال طويلاً جداً، لكن الإجماع العام هو أنّ كلا الطرفين عازمان على إنهاء الحرب، كلما كان ذلك أسرع كان أفضل، وتأمل واشنطن في التوصل إلى نتيجة سلمية قبل هجوم حركة طالبان التقليدي في الربيع.
كان عام 2018 هو الأكثر دموية بالنسبة إلى المدنيين منذ بداية النزاع الأفغاني، مع 3804 حالات وفاة تسببت فيها مجموعات المتمردين، من طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية، وفق تقرير الأمم المتحدة الذي صدر مؤخراً، ووفق أرقام بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (مانوا) ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذه الوفيات بنسبة 11٪ مقارنة بعام 2017.


المصدر: letemps
 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية