كيف تحولت عروس الصعيد المصري إلى عاصمة الفتنة الطائفية؟

مصر

كيف تحولت عروس الصعيد المصري إلى عاصمة الفتنة الطائفية؟


25/09/2018

برغم التاريخ الطويل من الفتن الطائفية بين المسيحيين والمسلمين في مصر، إلّا أنّ الصعيد يعيش حالة خاصّة مع هذا الصراع، والأكثر خصوصية كانت محافظة المنيا.

كان اسمها في الماضي، عروس الصعيد المصري، والآن صارت "عاصمة الفتنة الطائفية"؛ فالمنيا التي تتميز بالتنوع الحضاري والثقافي والديني من قديم الأزل، لكنها اليوم راقدة فوق جمر الطائفية، الذي يكفي لاشتعاله مشاجرة بين طفلين، لتتحول القرية إلى كتلة نار لا تهدأ، ومنذ العام 2011 بعد اندلاع أحداث ثورة يناير تزايدت حوادث الفتنة بشكل غير مسبوق.

"حفريات" رصدت 10 من هذه الحوادث:

أولاً: قرية بني أحمد: في الثالت والعشرين من آذار (مارس) العام 2011، تجمهر عشرات من مسلمي بني أحمد التابعة لمحافظة المنيا أمام كنيسة مارجرجس بالقرية معترضين على قيام الكنيسة بإجراء توسعات من الناحية الشرقية داخل أرض فضاء تملكها الكنيسة، مطالبين بهدم ما تم عمله من توسعات، ومغادرة القس جورجي ثابت للقرية.

اقرأ أيضاً: قرى "المنيا": جند الله في المعركة الخطأ

في أعقاب هذا الحادث تم عقد جلسة عرفية، بحضور المجلس العسكري الحاكم آنذاك، والذي طالبهم بإيجاد حل ودي للمشكلة دون التصعيد وتدخل الشرطة في فض الاشتباكات، فما كان من المسلمين إلّا تقرير أن يتوقف المسيحيون عن أعمال التوسعات الجارية بالكنيسة وبناء سور يفصل بينها وبين مساحة الأرض الفضاء والتي كان من المقرر التوسع عليها.

أحد الاعتداءات على دور عبادة الأقباط في المنيا

ثانياً: قرية القمادير: في الرابع من نيسان (أبريل) عام 2011، قام العشرات من المسلمين بقرية القمادير التابعة لمركز سمالوط بمنع مسيحيي القرية من دخول مقر كنيسة يوحنا؛ حيث تجمهر عشرات من المسلمين أمام باب الكنيسة، وتم إغلاقها ووقف ممارسة الشعائر الدينية فيها، وذلك على خلفية تقديم أقباط طلباً لهدم وإعادة بناء الكنيسة المبنية من الطوب اللبن، واعتصم عدد من مسيحيي القرية أمام مبني المحافظة، بينما سار المسلمون في تظاهرات بالشوارع ورشقوا منازل المسيحيين بالطوب والحجارة.

اعتداءات عنيفة وقعت من مسلمي القرية على مسيحييها شمال المنيا على خلفية قيام مسلم بمغازلة فتاة قبطية

وعلى أثر الحادث تم عقد جلسة صلح عرفية، بحضور ممثلين من الجانبين، وبعض أعضاء مجلس الشعب، وكهنة المطرانية، وبعض الشيوخ والقيادات الأمنية، ووقع الطرفان في نهاية الجلسة على صلح عرفي وصدق عليه الحاكم العسكري ومدير الأمن، ونص الصلح على نقل الكنيسة إلى موقع جديد يبعد مسافة 200 متر من الموقع القديم، وتسلم الكنيسة القديمة إلى الأقباط لممارسة الشعائر الدينية وحتى الانتهاء من بناء المبنى الجديد خلال ثلاثة أشهر. وأن تقام الكنيسة الجديدة في موقعها المحدد على مساحة 240 متراً مربعاً، على أن تبنى من طابق واحد، ولا يسمح بوجود مظاهر كنسية واضحة في الخارج، وأن يتم تغيير كاهن الكنيسة.

ثالثاً: قرية قلوصنا: في الثلاثين من حزيران (يونيو) 2011، وقعت اشتباكات بين مسلمي ومسيحيي قرية قلوصنا شمال مركز سمالوط بمحافظة المنيا، على خلفية تحرش مسلم بفتاة مسيحية، حيث تم استخدام الأسلحة النارية والبيضاء والشوم، مما أسفر عن إصابة خمسة مواطنين من الجانبين وحرق وإتلاف عدد من الورش والمنازل والسيارات.

اقرأ أيضاً: دمشاو تعيد مآسي الأقباط مع المتطرفين

وفي أعقاب هذا الحادث عقد أهالي القرية جلسة صلح عرفية بمنزل المستشار محسن البكري، وحضرها عمدة القرية، ورئيس المجلس المحلي ورئيس المدينة، ونصت الجلسة على إزالة أسباب الخلاف والتكفل بإصلاح سائر الأضرار، وتوقيع شرط جزائي قيمته 500 ألف جنيهاً على من يخالف الاتفاق.

رابعاً: قرية صفط أبو جرح: في الرابع والعشرين من شباط (فبراير) العام 2012، قام المسلمون بتهجير صيدلي مسيحي من قريته على أثر اتهامه بالإساءة إلى الإسلام، حيث تجمهر أعداد من سكان القرية المسلمين أمام صيدليته بالقرية، عقب انتشار إشاعة بقيامه بالإساءة إلى الإسلام على صفحته على موقع "فيسبوك"، حيث قام الصيدلي بنشر صورة بعنوان "حل مشكلة الفقر ومشاكل مصر"، وقارن بين رأيي الشيخ الحويني والدكتور محمد البرادعي.

كان اسم المنيا في الماضي، عروس الصعيد المصري، والآن صارت "عاصمة الفتنة الطائفية" الراقدة فوق جمر الطائفية

كالعادة قرر أهالي القرية عقد جلسة صلح عرفي بمقتضاها، قام رئيس المباحث بقسم شرطة بني مزار ومسؤول الأمن الوطني بإجبار الصيدلي على توقيع محضر للصلح العرفي جاء في ديباجته أنّ الجلسة قررت الآتي:
- غلق الصيدلية
- إبعاد الصيدلي مؤمن مجدي شحاتة عن القرية.
- عدم التعرض لأهله.

لكن أهل مؤمن تعرضوا لمضايقات عديدة في مقار عملهم، بسبب ما تمّ ترويجه من إساءة ابنهم للإسلام، وقد اضطر لبيع الصيدلية بثمن بخس، وما يزال مبعداً عن القرية حتى يومنا هذا.

خامساً: قرية أبو سيدهم: في الثلاثين من نيسان (أبريل) العام 2013، تمّ تهجير اثنين من الشبان المسيحيين، وتغريم ثالث بسبب "منشور" قيل إنّه مسيء للإسلام، وعلى أثر هذا المنشور تجمهر عدد من مسلمي القرية، بمركز سمالوط أمام منازل المسيحيين في القرية، ورشقوها بالحجارة، احتجاجاً على قيام جرجس عطية، فلاح من القرية ولكنه يعمل بالأردن، بوضع صورة مسيئة للكعبة على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: بالحزن والفرح.. الأقباط يزفّون رفات أبنائهم في مطار القاهرة

استدعى الحدث عقد جلسة عرفية، انتهت بالاتفاق على تهجير الشاب من القرية نهائياً وعدم عودته إليها، وتهجير منصور شندي الذي ضغط زر إعجاب على المنشور، وهو عامل بناء بالقرية، وتغريمه نصف مليون جنيه في حالة أراد الحياة في القرية، كما فرضت الجلسة غرامة على كل من أبوالخير ناشد وكمال ميخائيل، اللذين تشاجرا مع بعض المواطنين المسلمين على خلفية الحدث، بخمسين ألف جنيه بدعوى تطاولهما على الإسلام.

إحدى الجلسات عقب أحداث المنيا

سادساً: قرية منشأة منبال: في الرابع عشر من أيار (مايو) العام 2013، وقعت اعتداءات من مسلمي القرية على مسيحييها بمركز مطاي شمال المنيا، على خلفية قيام مسلم بمغازلة فتاة قبطية، واقتحم عدد من المسلمين كنيسة الأمير تادرس المشرقي، ولم يكن بداخلها سوى المواطن إبراهيم عيد وتم الاعتداء عليه بسلاح أبيض حاد، أدى لإصابته إصابات بالغة، وتم تكسير نوافذ الكنيسة، وتهشيم بابها، فضلاً عن صيدليتين ومتجرين ومخبز.

تعرض أهل الشاب مؤمن لمضايقات عديدة في مقار عملهم بسبب ما تمّ ترويجه من إساءة ابنهم للإسلام

وتمّ عقد جلسة الصلح بين كبار العائلات، من الأقباط والمسلمين، والتي فرضت غرامة على أهالي المعتدين على الكنيسة بمبلغ 200 ألف جنيـه، وكذلك تغريم أهالي المعتدين 100 ألف جنيه مقابل الاعتداء على الأقباط، وشرط جزائي بقيمة 500 ألف جنيه لمن يخل بالاتفاق، إلّا أنّ القس مكاريوس راعي الكنيسة تنازل عن هذه المبالغ، وتعاهدوا على عدم القيام بمشاجرات مرة ثانية.

سابعاً: طائفية سياسية: في الثالث من آب (أغسطس) العام 2013، شهدت قرية بني أحمد الشرقية، اعتداءات واشتباكات على خلفية مشاجرة بين مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، وأقباط بالقرية، مما أدى لإصابة عدد من المواطنين، وحرق ونهب عدد كبير من منازل وممتلكات الأقباط، وتعرض كنيسة ومئذنة مسجد لإتلاف بسيط، وقد شارك في الاعتداءات مسلمون من عدة قرى مجاورة.

اقرأ أيضاً: الرجل الذي خاطر بحياته لإنقاذ مصر من فتنة طائفية

وفي الحادي عشر من الشهر نفسه، عقدت جلسة الصلح العرفي بمنزل عضو مجلس الشعب السابق عن الحزب الوطني المنحل، علاء السبيعي، وعدد من القيادات الأمنية والدينية من الطرفين، ونصت الجلسة على:
التنازل عن جميع القضايا المثارة في المحاكم، ووضع شرط جزائي مقداره 2 مليون جنيه على من يخل بالاتفاق، ومن يتسبب بفتنة يتم نفيه من البلدة نهائياً.

ثامناً: نزلة بني عبيد: في الثامن والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)  العام 2013، وقعت اشتباكات بين مواطنين من قرية بني عبيد والحوارتة، أودت بحياة أربعة من المواطنين، على خلفية رفض مسلمي الحوارتة السماح لمسيحي من بني عبيد ببناء منزل على أرض يمتلكها على مشارف القرية المجاورة، وقد أصيب على أثر الاشتباكات 30 مواطناً، وإتلاف بعض الممتلكات لمسيحيين.

ومن ثمّ عُقدت جلسة الصلح العرفي في الشهر التالي، برعاية مدير أمن المنيا؛ حيث صدر أمر بعدم خروج أقباط نزلة بني عبيد من منازلهم لمدة 15 يوماً، وعدم بناء المنزل، ودفع ديات القتلى لذويهم، والتنازل عن جميع الحقوق القضائية والمدنية وعدم تعرض أي طرف للآخر.

رغم تميز المنيا بالتنوع الثقافي والديني لكنها ترقد فوق جمر الطائفية

تاسعاً: قرية يعقوب القبلية: في الثالث من آب (أغسطس) العام 2014، نشبت اشتباكات بين مسلمي ومسيحيي عزبة يعقوب القبلية، بمركز سمالوط على خلفية استكمال بناء كنيسة مارجرجس، وأصيب عدد من الجانبين إصابات طفيفة.

اقرأ أيضاً: الحرب الصامتة.. ما الذي يوقظ الطائفية؟

قامت قوات أمن المحافظة بالإسراع لعقد الصلح العرفي، وتم أخذ تعهدات كتابية بالتزام الجانب المسلم بعدم الاشتباك، وعدم العودة إلى أسباب النزاع، وتعهد الجانب المسيحي بوقف أعمال البناء، إلى حين الحصول على التراخيص، وفي حالة الإخلال بالاتفاق يتم إلزام الطرف المخالف بدفع مبلغ نصف مليون جنيه، وفيما بعد تمكن أهل القرية من الحصول على التراخيص واستكمال البناء.

عاشراً: قرية الطيبة: في التاسع والعشرين من آب (أغسطس) العام 2014، وقعت مشاجرة عادية بين طرفين أحدهما مسيحي والآخر مسلم، أخذت بُعداً طائفياً، وذلك في قرية الطيبة ذات الأغلبية المسيحية بمركز سمالوط شمال محافظة المنيا، فقد بدأ الأمر بمشاجرة بين عائلة مسيحية وأخرى مسلمة، على خلفية صدم سيارة لأحد أطراف العائلة المسيحية من المسلم.

وعقد صلح كتابي أمر فيه كبار العائلات بالابتعاد عن المقاضاة الجنائية، وتم إخلاء سبيل المقبوض عليهم من النيابة في اليوم ذاته.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية